لماذا يدمر الرجيم القاسي جسمك و يصيبك بالسمنة؟
أتكلم فى هذه المقالة عن أضرار الرجيم القاسي و الحميات و
النظم الغذائية التقليدية التى يتبعها زائدي الوزن و مرضى السمنة فى مصر و
الوطن العربى. هذه النظم الغذائية التى تتميز بكميات ضئيلة من السعرات
الحرارية و اختيارات محدودة من أصناف الطعام، و قائمة ضخمة من الممنوعات .
سوف
أشرح لك أسباب الفشل الذريع لهذه الانظمة الغذائية وكيفية حدوثها، والتى
يتبعها البعض عن طريق المتابعة مع ما يسمى “دكتور تخسيس” أو عيادة التخسيس .
أو
تلك الأنظمة الغذائية التى قرأتم عنها فى جريدة أو مجلة و اتبعتموها بدون
أي مراجعة أو تأكد من فاعليتها و آثارها المحتملة على صحتكم و اجسادكم .
معظم أنظمة الحمية شديدة الانخفاض فى السعرات الحرارية مصيرها الفشل. حسب جامعة UCLA الأمريكية (مصدر )،
فإن 95% ممن يتبعون هذه النظم الغذائية القاسية ينجحون في انقاص وزنهم فى
بادىء الأمر. و لكن معظم هذا النقصان يكون من مياه الجسم و الكتلة
العضلية. و بعد مرور الأيام و الأسابيع، يصاب معدل نقصان الوزن بالبطىء
الشديد إلى أن يتوقف تماماً.
وأسوأ ما في الأمر أنك تبدأ
فى اكتساب هذا الوزن المفقود من جديد و ربما أكثر من ذي قبل. نعم هذه
الأنظمة الغذائية تزيدك بدانة مع مرور الوقت! و هذه هى الأسباب:
- عندما
يبدأ متبع الرجيم فى خفض كميات الأكل و كمية السعرات التى يستهلكها، يكون
هناك رد فعل عكسى من جسمه. حيث يقوم جسمه بمكافحة حرق الدهون و خفض الوزن و
محاولة التشبث بمصادر الطاقة (الدهون) بكل قوة. و كلما خفضت السعرات
أكثر، كلما حارب جسمك حرق الدهون أكثر و أكثر. دائرة مفرغة مصيرها الفشل و
الاحباط. تسمى هذه الظاهرة أيضاً بالـ Adaptive Thermogenisis أي تأقلم
معدل الأيض الغذائي مع خفض الطاقة .
و في النهاية تضرب
نظامك الغذائى بعرض الحائط و تتصل بأسرع محل للوجبات السريعة أو تهجم هجوم
شرس على الثلاجة بعد احباط و ارهاق و اكتئاب و جوع مزمن. يحدث هذا غالباً
في المساء .
النظم
الغذائية التى أتكلم عنها هى النظم الذى يكتبها ما يسمى “دكتور التخسيس”
لمرضى السمنة. فقد تنتظر دورك عدة ساعات فى عيادة دكتور تخسيس شهير. ثم
تدخل مكتب الدكتور بعد عناء (أو بعد اكرامية للممرض)، ليقوم الدكتور
حينها بالاكتفاء بأخذ وزنك فقط و اعطائك ورقة مطبوعة مسبقاً تحتوي على
النظام الغذائي الذى يكون فى أغلب الأحيان كالآتى:
الإفطار :
توست، بيضة، معلقتين فول و شاى أو قهوة بدون سكر
الغذاء:
صدر فرخة مشوية أو سمكة مشوية، ربع رغيف عيش بلدى أو 4 معالق أرز و سلطة خضراء
العشاء:
ثمرة فاكهة و كوب زبادى أو قطعة جبنة قريش.
الممنوعات: معظم أنواع الفواكه و معظم أنواع النشويات و العديد من أنواع اللحوم و معظم الدهون (معظم أنواع الأكل)
يجب العلم أن هذه المقالة كتبتها في سنة 2014، يمكنك قراءة المزيد في مقالة 2018: “الممنوع و المسموح في الرجيم “
لا
أريد أن أطيل فى التحليل و مناقشة هذا الرجيم أو أن أسأل لماذا معلقتين
فول فقط و ليس ثلاثة؟ و لماذا ثمرة فاكهة واحدة و ليس اثنتان؟ ولماذا تعطى
هذه الورقة لكل ألاحجام والأعمار و الجنسين بدون تمييز؟ لن أدخل في حساب
السعرات الحرارية الضئيلة و كميات الفيتامينات و المعادن الناقصة في هذا
النظام.
فلا يوجد أي حساب لاختلاف طبيعة الجسم البشرى من
شخص لآخر. سوف أتكلم عن الممارسات السيئة لدكاترة الرجيم فى مصر و الوطن
العربى فى مقال أخر . لكن أريد أن أركز فى نقطة محددة فى هذا الرجيم، و
هى الانخفاض الشديد فى كمية السعرات الحرارية و عدم تنوع أصناف الطعام.
أريد أن أتكلم عن مشكلتين فى هذا الرجيم:
أولاً:
دكتور الرجيم لا يصف تمارين لتقوية العضلات لمرضى السمنة، لذلك جزء كبير
من الوزن الذى تفقده مع اتباعك لهذا الرجيم يأتى من المياه و الكتلة
العضلية و ليس فقط دهون الجسم. تمارين الحديد تزيد الكتلة العضلية و تزيد
من معدل الأيض الغذائي. حيث أن الألياف العضلية أنسجة نشطة تستهلك السعرات
الحرارية على مدار الساعة، حتى أثناء نومك. و لا ننسى كيف تشد تمارين
الحديد الجسم للرجال و النساء. يمكنك قراءة المزيد في مقالة “كيف تحرق الدهون حتى آخر جرام باستخدام تمارين الحديد “
ثانياً:
هذا الرجيم سيؤدى إلى نقصان سريع فى الوزن فى أول 3-4 أسابيع، ثم ما يلبث
هذا المعدل فى التباطؤ أسبوع وراء الأخر، حتى يتوقف تماماً و ذلك بسبب
انخفاض عمليات الأيض. كما أن الجوع يتزايد بشكل كبير و يخرب كل مجهودك
للحفاظ على الدايت .
فبالرغم من الانتشار الكبير لعيادات
التخسيس و بالرغم من كثرة منتجات التخسيس، مثل الزينيكال و الشيتوكال و
الشاى الصينى ..الخ. فإن نسبة المصريين المصابين بالسمنة تتجاوز الـ 70%،
مما يضع مصر فى المركز العاشر على العالم فى مستوى البدانة! و يضع المرأة
المصرية فى المركز الأول عالمياً!
إذن،
من الواضح أن الاستراتيجيات التى يتبعها المصريين و العرب لعلاج السمنة لا
تنجح. و دعني أسألك أنت شخصياً عزيزي القارئ و عزيزتي القارئة: إلى كم
عيادة دكتور رجيم ذهبت؟ هل فقدت وزنك فى بادىء الأمر؟ هل استمر هذا
الفقدان فى الوزن فترة طويلة؟ هل أنت الآن لديك الجسم المثالى الذى تتمناه؟
أو
أنظر حولك. كم من صديق أو قريب لك، و كم من ممثل أو ممثلة شهيرة فقدت
وزنها لفترة معينة، إلى أن زاد وزنها بشكل ملحوظ أو “ضربت” كما يقال بعد
عدة شهور أو حتى عدة سنوات؟
و أنصحك ألا تلقي اللوم على
نفسك و على ضعف إرادتك و قدرتك على التحمل. المشكلة ليست بك أنت، و لكن
المشكلة الأكبر تكمن فى نظام الحرمان و التجويع الذى تم وصفه لك.
إذن،
لماذا تفشل هذه النظم الغذائية؟ الحقيقة أن هناك أسباب علمية و طبية وراء
هذا الفشل. فجسم الإنسان خلقه الله فى غاية الذكاء. و معنى ذكاء جسم
الإنسان، أن الجسم لديه العديد من الآليات للحفاظ على حياتك وصحتك. عندما
ترتكب الخطأ الشائع و تحاول “تجويع” جسمك و وتحرمه من الطعام، فإن الجسم
يستشعر خطورة المجاعة، و يبدأ برد فعل عكسى و يكيف نفسه على موائمة السعرات
الحرارية القليلة .
و هذا ما يسمى بالاستجابة للمجاعة، أو
Starvation Response. من المؤكد أنك سمعت يوماً ما عن قصص أشخاص عاشوا فى
ظروف قاسية أيام و أسابيع بدون طعام، و عن مساجين أضربوا عن الطعام أياماً
و أسابيعاً وبقوا على قيد الحياة. و ما جعلهم على قيد الحياة فى ظروف
المجاعة، هى قدرة الجسد المميزة على إبطاء عملية حرق السعرات الحرارية!
نعم، أنا على علم بالأبحاث التي تنفي ظاهرة الـ Starvation Response أو
ظاهرة الاستجابة للمجاعة. و لكن العلم نفى أن يتوقف جسمك عن حرق الدهون
تماماً، أو زيادة وزنك. أما الظاهرة فهي حقيقية و لها عدة آليات و لها عدة
مسميات، أدقها الـ Adaptive Thermogensis (تعديل يوليو 2018)
فعندما يشعر جسمك بالمجاعة، كأنه يقول لنفسه: “ أن
كميات الطعام التى تأتينى ضئيلة جداً، و هناك خطر كبير على الحياة. لذلك
سوف أحاول الحفاظ على مصادر الطاقة المخزنة لدي بكل قوة. لن أفرط فى هذه
الطاقة المخزنة حتى أحافظ على حياتي .”
و بالطبع،
مصادر الطاقة المخزنة عند الإنسان، هى الدهون. وإذا حاولت تجويع نفسك من
أجل حرق الدهون، فإن هذه الآلية ستعمل ضدك أو بمعنى أصح ضد ما تحاول تحقيقه
من ضرر. و ذلك لأن الجسم لا يستطيع أن يفرق بين الرجيم القاسي و المجاعة.
وللأسف الجسم له آلية قوية فى مكافحة حرق الدهون و لكن آلياته لمكافحة
زيادة الوزن أقل قوة. (نعم هناك آليات لمكافحة زيادة الوزن، فلن يزيد وزنك
إلى 500 كجم إذا استمريت الإسراف في الطعام )